عدت إليهم بعد رحلة طويلة و مرهقة بين صفحات كتب و روايات يفترض أنها أكثر نضجا ..
و عادوا إلي بعد أن طال إنتظارهم في الصفوف الخلفية في مكتبتي وبعد أن غطى عليهم الكثير و الكثير من الكتب و القصص و الروايات الضخمة ..
و بعد أن ظنوا و ظننت أن شغفي بهم قد انتهى وولى إلي غير رجعة .. وظننت أنني قد أصبحت أكثر نضجا و تعقلا من أن أقر ألغاز طفولية لخمسة مغامرين .. وظنوا أنهم كانوا مجرد مرحلة مرت من حياتي و لن تعود مرة أخرى .. خالفت كل تلك الظنون و عدت إليهم ..
وعادوا هم أطفال برءاء كعهدي بهم .. مازالوا كما تركتهم أطفال .. أما أنا فعدت إليهم إنسانة أخرى مختلفة تماما عما تركتهم .. عدت وقد ارهقت و مللت من الكتب العميقة و الآراء المتزنة و الأفكار المنقحة العقلانية .. أرهقت فعلا من كلام الكبار .. و بي شوق للعودة إلى الأفكار البريئة الطفولية، و خوف من أن لا أجد لنفسي مكان بينهم ..
و لكنهم ببرائتهم المعهودة سمحوا لي بأن أعود للإجتماع معهم في حديقة منزل عاطف و لوزة .. و التجول معهم بالدراجات في شوارع المعادي .. و شرب الليمون المثلج ..
وعادوا للإنتظار بجوار فراشي والإختباء تحت وسادتي لنلتقي كل ليلة على ضوء الأباجورة الخافت كما اعتدنا أن نفعل قبلا ليأخذوني إلى ذلك العالم الطفولي الجميل بمشاكله البسيطة سهلة الحل ..
******
أنظر إلى مكتبتي الممتلئة الآن .. فأراني في كل رف من رفوفها ..وأرى ملامح فترات من حياتي عشتها بين صفحات الكتب على تلك الأرفف ..
في هذا الرف الصغير على اليمين أرى تلك القصص الرفيعة .. قصص المكتبة الخضراء .. التى ساهمت في بناء مملكة خيالية جميلة مترامية الأطراف بداخل رأسي ..
أذكر وقت أن كانت هي القصص الوحيدة الموجودة في مكتبي .. حينها كانت باقي الأرفف تمثل غرفا في منزل دميتي "باربي" .. كان في هذا الرف في الأعلى المطبخ و غرفة الجلوس .. أما هذا الرف بالأسفل فكان غرفة نومها .. وهنا كنت أضع فساتينها التي كنت أحيكها من قصاصات القماش الصغيرة ..
وعندما بدأت مرحلة المغامرين الخمسة و بدأت الكتب في الإزدياد شيئا فشيئا .. بدأت الكتب تزحف على منزل الدمية .. احتلت في البداية جزءا من غرفة نومها .. نعم هذا الرف بالأسفل .. وعاشوا في سلام جنبا إلى جنب .. حينها كان كل ما يشغلني هو شراء لغز جديد .. أو حياكة فستان جديد لدميتي لترتديه في زيارتها لدمية سارة أختي ..
إلى أن بدأ الصراع .. بدأ مع زيادة عدد الكتب و الروايات التي أقتنيها .. جزء مني يرفض أن تتقلص المساحة المخصصة للدمى في مكتبتي .. و جزء آخر يرى أن المكان الطبيعي للكتب هو أرفف المكتبة .. و أن غيرها دخلاء يجب أن يأخذوا جانبا ..
بدأ زحف الكتب يزداد و يتسع .. و بدأت الدمى تأخذ جانبا في المكتبة و في حياتي و اهتماماتي .. ولكن ظل الرف العلوي من المكتبة مخصصا للدمى و أخذت الكتب تتكدس في الأرفف السفلية .. و بدأت الأطماع التوسعية لكتبي تظهر على استحياء في كتاب أو كتابين يتسللان إلى الرف العلوي المخصص للدمى ..
و حين بدأت ألحظ ذلك وقفت في وجهها .. لن أقبل بأي حال من الأحوال أن تأتي تلك الأطماع على المساحة المخصصة لإهتماماتي الأخرى .. و كان الصدام .. "طب الكتب دي هتروح فين ؟؟؟ هتنام في الشارع؟؟"
و بدأت مباحثات طويلة مع نفسي إلى أن توصلنا إلى الحل .. ثلاثة أرفف جديدة أثبتها على الجدار بجوار فراشي للكتب الجديدة .. و كان الحل مقبولا من كل الأطراف .. وعاد السلام مرة أخرى..
و الآن و مع الزيادة في الكتب الجديدة وامتلاء الأرفف بها .. و مع بداية معرض الكتاب .. أظن أن تلك المشكلة في طريقها للظهور مرة أخرى ..
فهل ستصمد الدمى أمام الأحلام التوسعية المستمرة للكتب ؟؟