الأحد، 26 أكتوبر 2008

ننام .. و نصحى


يوم الأحد

توقظها أمها بصعوبة .. فنومها ثقيل جدا .. و خاصة في بداية الأسبوع، حيث تسهر في أجازة نهاية كل أسبوع لتقضي أكبر و قت ممكن مع والدها الذي تضطره ظروف عمله للسفر أسبوعيا..
تفعل كل شيء من طقوس الصباح و هي تقريبا نائمة .. من أول غسل وجهها الى ارتداء ملابسها..

أحيانا تنام أثناء تناولها الإفطار .. فتوقطها أمها لتمضغ الطعام .. ثم تنام .. فتوقظها لتبلعه ..

أثناء نزولها في المصعد تسألها أمها : فين شنطتك يا ياسمين؟
فتجيب في براءة: نسيتها في البيت ..
فيصعدون مرة أخرى لإحضارها..
في الطريق تسير ممسكة بيد أمها من ناحية و أختها من ناحية، و أخوها يسير بجانبهم لأنه أكبرهم ..

تتشبث بيد أمها أكثر ليقوموا بالمغامرة اليومية لعبور الطريق، و تنظر يمينا و يسارا كما علمتها أمها"مع أن الطريق إتجاه واحد" ..

كانت ترى أن السيارات المسرعة و البوتجاز هما من أعظم الأخطار التي تهدد البشرية، و لو أطاع الأطفال ذويهم و ابتعدوا عن البوتجاز، و أمسكو بأيديهم أثناء عبور الشارع .. لعاشت البشرية في سلام ..
يسيرون جنبا الى جنب في طريقهم .. أولا يصلون الى الحضانة القريبة حيث تذهب سارة .. ثم يصلون الى مدرسة أحمد ..
ثم تسير وحيدة مع أمها الى أن يصلا الى مدرستها ..
فتسأل أمها السؤال اليومي: هو بابا جي إمتى؟
فتجيب أمها: يوم الخميس إن شاء الله
فتقول و هي تعد على أصابعها: يعني ننام و نصحى و ننام و نصحى و ننام و نصحى و ننام و نصحى و بابا ييجي؟
فتجيب أمها و هي تبتسم: أيوة يا حبيبتي..


****


يوم الأثنين

-هو بابا جي إمتى؟

-يوم الخميس إن شاء الله

-يعني ننام و نصحى و ننام و نصحى و ننام و نصحى و بابا ييجي؟

- أيوة يا حبيبتي..


****

يوم الثلاثاء

-هو بابا جي إمتى؟

-يوم الخميس إن شاء الله

-يعني ننام و نصحى و ننام و نصحى و بابا ييجي؟

- أيوة يا حبيبتي..

****

يوم الأربعاء

-هو بابا جي إمتى؟

-يوم الخميس إن شاء الله

-يعني ننام و نصحى و بابا ييجي؟

- أيوة يا حبيبتي..

الخميس، 16 أكتوبر 2008

و جعلت قرة عيني ..




لطالما أثارت شغفها تلك الحركات التي يقوم بها والديها..

كانت يوميا ما تراقب أمها في كل مرة ترتدي فيها حجابها .. ثم تضعها أمامها و تقف في ثبات لتقوم بأداء تلك الحركات..

و كانت أمها تتفنن في كل مرة في جلب كل ما يمكن أن يشغلها (الطفلة) أثناء صلاتها..

من ألعاب و دمى، أو حتى سلاسل مفاتيح .. أو غيرها لتشغلها بها..

و لكنها كانت تلتفت عن كل تلك الأشياء الى مراقبة أمها في شغف..

و بقدر ما كانت هذه الحركات تثير اهتمامها .. بقدر ما كانت أمها تثير خوفها في ذلك الوقت..

هي التي اعتادت أن تكون محور اهتمام أمها دائما .. اعتادت أن تنتزع أمها من أي شيء تفعله بمجرد أن تبكي أو تناديها بتلك الحروف التي تعلمت نطقها أخيرا ..

فكانت أمها تترك كل ما في يديها مهما كان .. من اعداد للطعام أو قراءة أو محادثة هاتفية .. كانت تترك كل كل ذلك بمجرد سماع هذا النداء السحري و تهرع اليها ..

و لكن .. أثناء آدائها لتلك الحركات لا يحدث كل ذلك ..

تحاول الطفلة أن تجذب اهتمام أمها بكل الوسائل السلمية .. فتفعل كل ما تعلم أنه يثير ضحك أمها .. و تضحك لها .. و تناديها ..

هي حتى تمسك بألعابها ذات الألوان الملفتة الجميلة و ترفعها لعلها تلفت نظر أمها .. و لكن الأم تظل على ثباتها .. و تظل نظراتها مركزة في نفس النقطة منذ أن بدأت صلاتها ..

هنا تبدأ في استخدام الطرق الأخرى التي تعلم مدى تأثيرها في أمها .. تبدأ في البكاء .. حينها ترفعها أمها بين ذراعيها بدون أن تحول نظرها عن تلك النقطة، و تحملها في صمت .. بدون أن تغني لها كما اعتادت..

الآن تفهم أن هناك في حياة أمها من هو أهم منها ..

هناك من يستحوذ على اهتمامها أكثر منها ..

*****


هي تعرف هذا المكان جيدا .. و تفرح حين يأتون إليه ..

تحب فيه اتساعه و خلوه من كل ما يعيق رغبتها في الحبو ..
و به أيضا تلك العواميد التي تستند عليها في محاولاتها المستمرة للوقوف على قدميها ..

هنا يأتي أبواها للقيام بنفس تلك الحركات التي اعتادتها منهم .. و لكن هنا يوجد أناس كثر يقفون متراصين ليقوموا سويا بتلك الحركات ..

أحيانا تذهب مع أمها و أحيانا مع أبيها .. فهما يتفرقان عند الدخول .. و لكنها تفضل الذهاب مع أمها حيث تجد الكثير من الأطفال في مثل سنها فتلهو معهم الى أن تنتهي أمهاتهم من الصلاة..

هنا خطت أولى خطواتها .. كانت تستند الى أحد العواميد محاولة الوقوف .. و كانت دائما ما تبوء محاولاتها في الإبتعاد عنه بالفشل و السقوط أرضا .. و لكن في تلك المرة استطاعت أن تسير .. نعم سارت بضع خطوات الى أن وصلت الى أمها و ارتمت عليها ..

و فرحت أمها و السيدات الجالسات بجانبها بها فرحا شديدا ..

و من يومها و هي تمشي تلك المشية المضحكة الجميلة ..

*****

ما إن بدأت أمها في صلاتها ذلك اليوم .. حتى دخلت مسرعة الى غرفتها ..و احضرت دميتها الصغيرة، ثم وقفت بجانب أمها ووضعتها أمامها على الأرض، و خوفا من أن تبكي دميتها أثنا صلاتها وضعت بجانبها بعض الألعاب لتلهو بها !!

ثم و قفت في ثبات تماما مثل ما تفعل أمها .. ووجهها الى اليسار تراقب أمها في اهتمام .. فكلما فعلت شيء فعلت مثلها تماما ..

هي الآن تحرك شفتيها .. ثم تركع ثم تسجد .. ثم تجلس .. الآن يجلسان أرضا و مازالت عينيها متجهتان يسارا ناحية أمها في تركيز، ترفع اصبعها وتخفضه .. تمسح عينها _كما تفعل أمها_ ثم أخيرا تسلم يمنة و يسرة ..

فرحت بها أمها كثيرا و احتضنتها ..

حاكت لها أمها غطاء رأس صغير مزين بالورود و العصافير الصغيرة .. و من يومها أحبت الصغيرة الصلاة كثيرا .. خاصة بعد ما أخبرتها أمها أنها يمكنها أن تدعو فيها و تطلب من الله ما تشاء ..

فكانت تدعو بكل ما تحب .. من شكولاتة و ألعاب و دمى وفسح و غيرهم ..

*****

مازالت _و بعد مرور سنين طويلة_ تنتظر ميعاد كل فرض لتقف بجوار أمها و تصلي في خشوع .. و لكن الآن بعينين متجهتين الى موضع سجودها ..