الاثنين، 1 يناير 2018

يا ورق الأصفر .. عم نكبر عم نكبر


أسير كعادتي حول ملاعب الكرة في انتظار إنتهاء أطفالي من تدريباتهم ..

أمر بجانب بعض الصبية الذين يلعبون الكرة في أحد الملاعب، يركل أحدهم الكرة بقوة فتخرج من الملعب لتستقر أمامي ..

ينادي أحدهم بصوت أجش "لو سمحت، ممكن الكورة"، فأمسك الكرة وألقي بها إليهم، لتأتيني الإجابة الصادمة بنفس الصوت الأجش .. "شكرا ياطنط" 

أقف في مكاني لبضع ثوان لأستوعب رده .. "طنط"!!

ربما لم أعتد تلك المواقف بسبب مظهري الخادع الذي لا يوحي بعمري ..

تلك الموظفة التي سألتني منذ عدة أسابيع قبل أن تعطيني إستمارة ما لأملأها "فوق ال 18 ولا تحت ال 18؟"

ذلك البائع الذي قال لأمي ونحن نشتري بعض الأشياء سويا أثناء حملي في طفلي في شهور الحمل الأخيرة "عقبال ما تفرحي بيها"

ثم استدرك بعد ما رأى الدهشة على وجه أمي "بس طبعا الشهادة الأول"

والآن يقول لي هؤلاء الصبية الكبار طوال القامة "طنط" !

تابعت سيري وأنا لازلت لا أصدق أنني أصبحت "طنط" بالنسبة لهؤلاء

----------------------------------------------

في قهوة ع المفرق .. في موقدة وفي نار ..
نبقى أنا وحبيبي نفرشها بالأسرار ..
جيت لقيت فيها .. عشاق اتنين صغار، قعدوا على مقاعدنا ..
سرقوا منا المشوار ..

----------------------------------------------

إنها الحقيقة يا صديقي .. يا رفيق الثمانينيات .. نحن نكبر ..

أصبحنا طنط وعمو .. أصبحنا ولي الأمر الذي يطلبونه في الحضانة، ثم في المدرسة ..

أصبحنا مصدرا للأمان لأحدهم .. كبرت كفوفنا الصغيرة، لتصبح كفوفا كبيرة تتشبث بها أخرى صغيرة بريئة، تستهدي بها وتستمد منها الأمان ..

أصبحنا مصدرا للإجابات عن تساؤلات كثيرة لصغار يخطون أولى خطواتهم في الحياة .. يسألونك عن كل شيء وأي شيء، تتعلق عيناهم بك في ترقب في انتظار كل كلمة تخرج من فمك ليرسموا بها فكرتهم عن الحياة ..

أصبحت مثلا أعلى لأحدهم .. يرقب كل فعل وكل كلمة تصدر منك ليقلدها .. فترى فيه نفسك كما لم ترها من قبل .. بعيوبها قبل مميزاتها .. بقوتها وضعفها ومخاوفها ورؤيتها للأمور..

تخيفك تلك المسؤولية .. فتحسب ألف حساب لكل تصرف وكل كلمة .. تتحسس خطواتك في حذر .. فدائما هناك من يراقب في فضول ..

----------------------------------------------

ياورق الأصفر عم نكبر عم نكبر
طرقات البيوت عم تكبر عم تكبر ..
تخلص الدنيي .. ومافي غيرك يا وطني
ياوطني .. آه بتضلك طفل صغير ..

----------------------------------------------

مع بدايات مرحلة الثلاثينات تبدأ في اكتشاف تلك الحقيقة .. أنا لم أعد صغيرا مستقلا رائق البال ..

لقد كبرت .. وازدادت مسؤولياتي .. تغيرت حياتي وتغيرت نظرتي للأشياء ..

تبدأ في اجترار تفاصيل الطفولة والصبى .. يكون حنينك لتك التفاصيل على أشده ..

تجتهد في محاولاتك لإعادة لحظات وتفاصيل أيامك الماضية ..

تستمع للأغاني التي اعتدت سماعها في تلك الفترة، ليس لأنها الأحلى، وإنما لأنها تأخذك من يدك في رفق لتعيدك إلى طفولتك ومراهقتك، لتعيد إليك تلك الأحاسيس البريئة التي تفتقدها ..

تبحث في أرفف المتاجر عن حلوى اعتدت شراءها في صغرك .. وتفرح بها كطفل صغير إذا وجدتها .. ثم تجتهد في اخفائها في أدراجك وبين أغراضك خوفا من أن تصل إليها أيدي تلك الكائنات الصغيرة الحبيبة قبلك، ثم تختلي بها بعد أن يناموا لتأكلها في نهم طفولي..

تعلم أطفالك الألعاب التي اعتدت أن تلعبها في طفولتك .. المنديل، السلم والثعبان، لعبة الإختباء ..  وتستمتع بمشاركتهم اللعب متناسيا أنك لم تعد ذلك الطفل الصغير خفيف الحركة الذي يتسلل هاربا بالمنديل ليفوز على الفريق الآخر .. أو يجري في رشاقة عائدا إلى "الأمة" قبل أن يمسك به رفيقه ..

تبتسم في سعادة وأنت تقرأ وتشاهد الصور في صفحات الفيسبوك الموجهة إلى مواليد الثمانينيات .. تتذكر تلك التفاصيل الصغيرة التي مر عليها الكثير من السنوات .. شكل المسطرة والمقلمة وحقيبة المدرسة .. شكل أغلفة الحلوى في ذلك الوقت .. أغاني حلقات الرسوم المتحركة التي أحببت مشاهدتها .. لم تتكن تتصور أن تلك التفاصيل الصغيرة ستكون مصدر لسعادتك ومثارا لحنينك الجارف ..

----------------------------------------------

وكان وكان وكان .. أولاد وبنات جيران ..
براءة ف كل قلب .. وعيون مليانة حب ..
كبرنا وعدى عمر .. أخدنا لميت مكان ..

----------------------------------------------

تمر السنين .. تستمر في طريقك ..
تلتفت إلى الخلف لتجد أنك ابتعدت كثيرا عن الشاطىء ..
كل شيء أخذ في الابتعاد .. وانت مستمر في التوغل في ذلك البحر متقلب المزاج ..
أحيانا تعلو أمواجه .. وأحيانا تسكن كطفل مسالم نائم في هدوء ..
تحاول ألا تأخذك الحياة بتفاصيلها فتنسى أحلامك المؤجلة ، ورفاق رحلتك ..

تجاهد لتحافظ على ذلك الطفل الصغير بداخلك .. الطفل الذي يبحث عن السعادة في تفاصيل حياتك البسيطة، ويدفعك للتجارب الجديدة في جذل متجاهلا الحسابات والخطط، ويجلب الإبتسامة إلى وجهك رغم الإنشغال والمسؤوليات ..

وتدرك في تلك المرحلة أنك الآن تصنع ذكريات أطفالك، وتلون صفحات عمرهم البيضاء، كما صنعت ذكريات طفولتك من قبل،  ولونت أيامها ..

فتحاول أن تبدع في اختيار الألوان .. علك تجلب بسمة إلى وجه أحدهم بعد أن يمضي به العمر ..

----------------------------------------------

تعا تا نتخبى من درب الأعمار
وإذا هن كبروا نحنا بقينا صغار
سألونا وين كنتوا .. وليش ما كبرتوا انتوا !
بنقلن نسينا..

----------------------------------------------

فيروز – في قهوة ع المفرق – يا دارة دوري بينا

حنان ماضي – كان وكان