الخميس، 16 أكتوبر 2008

و جعلت قرة عيني ..




لطالما أثارت شغفها تلك الحركات التي يقوم بها والديها..

كانت يوميا ما تراقب أمها في كل مرة ترتدي فيها حجابها .. ثم تضعها أمامها و تقف في ثبات لتقوم بأداء تلك الحركات..

و كانت أمها تتفنن في كل مرة في جلب كل ما يمكن أن يشغلها (الطفلة) أثناء صلاتها..

من ألعاب و دمى، أو حتى سلاسل مفاتيح .. أو غيرها لتشغلها بها..

و لكنها كانت تلتفت عن كل تلك الأشياء الى مراقبة أمها في شغف..

و بقدر ما كانت هذه الحركات تثير اهتمامها .. بقدر ما كانت أمها تثير خوفها في ذلك الوقت..

هي التي اعتادت أن تكون محور اهتمام أمها دائما .. اعتادت أن تنتزع أمها من أي شيء تفعله بمجرد أن تبكي أو تناديها بتلك الحروف التي تعلمت نطقها أخيرا ..

فكانت أمها تترك كل ما في يديها مهما كان .. من اعداد للطعام أو قراءة أو محادثة هاتفية .. كانت تترك كل كل ذلك بمجرد سماع هذا النداء السحري و تهرع اليها ..

و لكن .. أثناء آدائها لتلك الحركات لا يحدث كل ذلك ..

تحاول الطفلة أن تجذب اهتمام أمها بكل الوسائل السلمية .. فتفعل كل ما تعلم أنه يثير ضحك أمها .. و تضحك لها .. و تناديها ..

هي حتى تمسك بألعابها ذات الألوان الملفتة الجميلة و ترفعها لعلها تلفت نظر أمها .. و لكن الأم تظل على ثباتها .. و تظل نظراتها مركزة في نفس النقطة منذ أن بدأت صلاتها ..

هنا تبدأ في استخدام الطرق الأخرى التي تعلم مدى تأثيرها في أمها .. تبدأ في البكاء .. حينها ترفعها أمها بين ذراعيها بدون أن تحول نظرها عن تلك النقطة، و تحملها في صمت .. بدون أن تغني لها كما اعتادت..

الآن تفهم أن هناك في حياة أمها من هو أهم منها ..

هناك من يستحوذ على اهتمامها أكثر منها ..

*****


هي تعرف هذا المكان جيدا .. و تفرح حين يأتون إليه ..

تحب فيه اتساعه و خلوه من كل ما يعيق رغبتها في الحبو ..
و به أيضا تلك العواميد التي تستند عليها في محاولاتها المستمرة للوقوف على قدميها ..

هنا يأتي أبواها للقيام بنفس تلك الحركات التي اعتادتها منهم .. و لكن هنا يوجد أناس كثر يقفون متراصين ليقوموا سويا بتلك الحركات ..

أحيانا تذهب مع أمها و أحيانا مع أبيها .. فهما يتفرقان عند الدخول .. و لكنها تفضل الذهاب مع أمها حيث تجد الكثير من الأطفال في مثل سنها فتلهو معهم الى أن تنتهي أمهاتهم من الصلاة..

هنا خطت أولى خطواتها .. كانت تستند الى أحد العواميد محاولة الوقوف .. و كانت دائما ما تبوء محاولاتها في الإبتعاد عنه بالفشل و السقوط أرضا .. و لكن في تلك المرة استطاعت أن تسير .. نعم سارت بضع خطوات الى أن وصلت الى أمها و ارتمت عليها ..

و فرحت أمها و السيدات الجالسات بجانبها بها فرحا شديدا ..

و من يومها و هي تمشي تلك المشية المضحكة الجميلة ..

*****

ما إن بدأت أمها في صلاتها ذلك اليوم .. حتى دخلت مسرعة الى غرفتها ..و احضرت دميتها الصغيرة، ثم وقفت بجانب أمها ووضعتها أمامها على الأرض، و خوفا من أن تبكي دميتها أثنا صلاتها وضعت بجانبها بعض الألعاب لتلهو بها !!

ثم و قفت في ثبات تماما مثل ما تفعل أمها .. ووجهها الى اليسار تراقب أمها في اهتمام .. فكلما فعلت شيء فعلت مثلها تماما ..

هي الآن تحرك شفتيها .. ثم تركع ثم تسجد .. ثم تجلس .. الآن يجلسان أرضا و مازالت عينيها متجهتان يسارا ناحية أمها في تركيز، ترفع اصبعها وتخفضه .. تمسح عينها _كما تفعل أمها_ ثم أخيرا تسلم يمنة و يسرة ..

فرحت بها أمها كثيرا و احتضنتها ..

حاكت لها أمها غطاء رأس صغير مزين بالورود و العصافير الصغيرة .. و من يومها أحبت الصغيرة الصلاة كثيرا .. خاصة بعد ما أخبرتها أمها أنها يمكنها أن تدعو فيها و تطلب من الله ما تشاء ..

فكانت تدعو بكل ما تحب .. من شكولاتة و ألعاب و دمى وفسح و غيرهم ..

*****

مازالت _و بعد مرور سنين طويلة_ تنتظر ميعاد كل فرض لتقف بجوار أمها و تصلي في خشوع .. و لكن الآن بعينين متجهتين الى موضع سجودها ..

هناك 9 تعليقات:

mohamed ghalia يقول...

رائع ما تكتبين
للمدونة هدف أدعو الله أن تصلى إليه
تقبلى تحياتى
دمتى بود
حقا وجعلت قرة عينى

romansy يقول...

جميل الكلام دا قوى
وجميل قوى الام اللى حببت طفلتها فى الصلاه برغم من صغر سنها
نتمنى كلنا ان يكون موجود التربيه دى فى كل بيت

ياسمين نعمان يقول...

mohamad and romansy, thank you both very much for your comments..
romansy .. you are right, hope so

غير معرف يقول...

ما شاء الله.. ما أعظمها نعمة من الله للعبد موهبة يستغلها ويسثمرها للتقرب لله أكثر بمن يعجبون بنتاج هذه الموهبة ويتعرفون به إلى الله
استمتعت جدا بهذه القصة.. رجاءا استمرى ولا تحيدى عن هدفك.. فالكتابة بهذه الطريقة غير معروفة كثيرا.. اسأل الله لى ولك الاخلاص والقبول

ana ga3an يقول...

حقيقي جميلة وسلسة التتابع
تحياتي

ياسمين نعمان يقول...

شيماء .. جزاك الله خيرا و يارب ان شاء الله تكون مفيدة لمن يقرأها .. سعدت جدا بتعليقك ..

أستاذ إسلام شخصيا بيعلق عندي .. ده حضرتك نورت المدونة، سعدت جدا بتعليق حضرتك و يارب ميكونش الأخير

دعـاء عـلى يقول...

الله يا ياسمين بجد جميله جدا
فعلا لو الواحد اتعود على الصلاه و حبها من و هو صغير هتبقى جزء لا يتجزأ من حياته و كمان حاجه بيحبها مش واجب عليه
المشكله فى اللى بيغصبوا أطفالهم على الصلاه لانهم المفروض يصلوا و بالتالى بيكرهوهم فيها
لو كل أم عملت زى ما قلتى هنبقى حاجه جميله أوى
بس بجد انتى كاتباها بأسلوب جميل جدا
ربنا يحرسك على رأى تيته (:

Amira Mostafa يقول...

masha2 allah
very touching...my little girl (7 months) always looks at me while i'm praying and tries to get my attension...you really made me feel like u was talking about her

ياسمين نعمان يقول...

ماشاء الله .. ربنا يباركلك فيها .. و تكبر و تبقى زي البنوتة في آخر الحكاية :-)))
نورتيني يا ميرا و شكرا على تعليقاتك الجميلة ..