أحيانا ما تثير فينا مواقف بسيطة مررنا بها، أو جمل سمعناها أو حتى قرأناها مشاعر جميلة و أفكار كثيرة لا يقو الزمان على محوها ...
و يظل أثرها ظاهرا على تصرفاتنا و علاقاتنا بالناس .. وحتى على علاقتنا بأنفسنا...
لربما ننسى مواقف و أحداث كبيرة مرت بنا .. و لكن تلك اللمحات البسيطة تبقى جميلة وعذبة ومؤثرة ..
حكايات كثيرة .. تؤثر فينا و يرق القلب و تدمع العين لذكراها ..
و تظل عزيزة على نفوسنا .. و قريبة من قلوبنا ..
*****
رمضان 1426
أول معرفتي بالدكتور خالد أبو شادي .. قررت في تلك الليلة من العشر الأواخر الذهاب مع احدى صديقاتي لأداء صلاة التهجد في مسجد الحسن -حيث كان يصلي د. خالد في تلك السنة-، لأسمع بنفسي من تحكي عنه و عن جمال صوته و دعائه الكثير من أخواتي ..
و هناك قابلت صديقة لي، و صديقة لأمي و اتفقنا على العودة سويا بعد الصلاة لتقارب منازلنا ..
و بعد ما انتهت الصلاة و بدأنا نستعد للرحيل، بدأت كل منا رحلة البحث عن حذائها .. كلهن و جدن أحذيتهن و لله الحمد ...
إلا أنا ...
استمرت رحلة البحث حتى اقترب الفجر .. إلى أن قررنا أننا لن نجده ..و أنه لا مفر من أن أعود إلى منزلي حافية القدمين ..
ارتديت حذاء إحدى صديقتيَ و سرت به إلى أن ركبت السيارة ثم خلعته لتعود به صديقتي الأخرى الى داخل المسجد لترتديه صاحبته و يأتين سويا لركوب السيارة معي ..
ركبنا نحن الأربعة ... صديقة أمي في المقعد الأمامي بجانبي .. وصديقتيَ في المقعد الخلفي ..
و بدأت القيادة بقدمي الحافيتين ... لم تكن بالمهمة الصعبة، فأنا أقود أحيانا حافية كنوع من التغيير ...
في منتصف الطريق و مع برودة الجو بدأ الندى المتجمع على الزجاج الأمامي يتكاثف ليحجب الرؤية .. فوقفت جانبا لتقوم احدى صديقتيَ -بما أنهن ترتدين أحذية- بالنزول لمسح الزجاج، و ما ان توقفت حتى نزلت صديقة أمي مسرعة لتقوم هي بتلك المهمة، و لم تثنها محاولاتنا و إلحاحنا لتولي تلك المهمة عنها و صممت أن تقوم هي بمسح الزجاج ..
و بعد ذلك استكملنا الطريق ... و نزلت صديقتي الأولى .. ثم الثانية .. و بقيت هي معي -فنحن نسكن في نفس الشارع- و عندما وصلنا الى منزلها ..
فوجئت بها و قد نزلت من السيارة حافية و دخلت منزلها مسرعة و قد تركت حذائها لي في السيارة..
.
.
.
لم يأخذ هذا التصرف منها ثوان .. فلم تعطني مهلة للإعتراض .. أو حتى لشكرها
بقيت في السيارة لدقائق لأستوعب ما حدث ...
" هو ده حصل فعلا ؟؟ هي طنط سابتلي حذائها و نزلت هي حافية ؟؟!! طيب ليه؟؟ أنا مين عشان تؤثرني على نفسها و تنزل هي و هي السيدة الكبيرة المحترمة حافية، عشان أنا العيلة إللي قد ولادها مامشيش حافية ؟؟"
يمكن أنا ماكنش هيفرق معايا أوي إني أطلع البيت حافية ... و لكن ما فعلته هي أثر في جدا ..
أثر في تواضعها .. و مبادرتها .. و إيثارها .. و أثر في أن تحركها أسرع من كلامها .. هي لا تعطي فرصة للإعتراض أو للمحاولة لإثناءها عما تعتزم فعله ... هي حتى لا تعطي فرصة للشكر .. و تتحرك في سرعة و مبادرة ..
الحقيقة أنها في ذلك اليوم ركبت معي السيارة و مشاعري ناحيتها عادية .. و لكن عندما نزلت من السيارة و اختفت في مدخل بيتها، كانت قد أصبحت من أحب الناس إلى قلبي .. و تركت في تأثيرا عميقا لا يمحى مع الوقت ..
لقد سمعت كثيرا دروسا تتحدث عن الإيثار و التواضع .. و لكن ما تعلمته في ذلك اليوم كان أقوى من أي درس و أعمق من أي موعظة ..
لربما مر 3 رمضانات على تلك الحادثة .. و لكن مشاعري ناحيتها لم تتغير .. و مازال حبي لها بنفس القوة .. بل و ازداد كثيرا، فكلما زرتها رأيت فيها خلقا جديدا يزيد من حبي لها ..
و كلما رأيت ابتسامتها و رضاها مع معرفتي أنها في كرب شديد .. ازددت اعجابا بها ..
لربما لا تدري هي ما هو الموقف الفاصل الذي جعلني فجأة أتقرب منها هكذا .. و جعلني أرافق أمي كلما زارتها -على غير عادتي قبلا- بل و أزورها وحدي أحيانا ..
لربما ترى ما فعلته هي في ذلك اليوم صغيرا و ليس له ذلك التأثير القوي ..
و لكنه غير الكثير بداخلي و علمني معاني كثيرة لم أكن أعرفها قبلاَ ...
اللهم فرج كربها ... و زدها رضاَ ... و جازها عني خيرا ...