الأحد، 14 ديسمبر 2008
GTG
السبت، 13 ديسمبر 2008
فوبيا
هل هو خوف من الفراق .. أم خوف من عدم القدرة على التراجع؟؟
أنا حتى لا أقو على مجرد التخيل ...
*****
-2-
جدة - الجوف
كنت سعيدة بعودتي إلى الأرض .. و لكنني أعرف أنه مازالت هناك رحلة أخرى .. و لكنني بقيت على هدوئي و ثقتي بأن الرحلة القادمة ستكون أسهل بإذن الله .. كنا بعد المغرب تقريبا، و لأول مرة خلال ذلك اليوم أكلت قليلا ..
قبل معاد الطائرة بقليل، بدأ القلق مرة أخرى ..
- إهئ إهئ إهئ ... ماما مش عاوزة أركب الطيارة
- إنت مش صغيرة يا ياسمين، و بعدين داحنا ان شاء الله هنوصل في أقل من ساعة، كلي بس و ارتاحي و ان شاء الله هتكوني كويسة..
بدأت أذرع المطار جيئة و ذهابا للتخفيف من التوتر الذي أحس به، و اتصلت بسارة أختي في مصر ...
- سارة انت دعتيلي في الطيارة الأولانية؟؟
- أيوة يا ياسمين ..
- طيب ادعيلي دلوقتي جامد، و ابقي اتوضي، شكلك كدة ماكنتيش متوضية و انت بتدعي الأول..
- حاضر .. متخافيش
- أنا مش عاوزة دعاء عادي .. عاوزة ابتهالات .
"على السادة ركاب الرحلة رقم كذا المتجهة إلى الجوف التوجه لبوابة الخروج .."
ما إن ركبنا الطائرة حتى بدأت أتكلم أتكلم أتكلم بلا انقطاع .. قصصت على أمي حكايات كثيرة، لم أكن أسمح لها بأن تقاطعني.. لم أكن أملك الأعصاب الهادئة لأسمع كنت أريد أن أتكلم و حسب لأبعد تركيزي عما أمر به ... أثناء صعود الطائرة تشبثت -بيدي المثلجتين- بيديها و استمريت في الكلام .. يتخلله "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " و جملة أخرى أخذت أكررها "أنا مش خايفة أنا مش خايفة .."
كان خوفي و لله الحمد أقل من الذي أحسست به في الطائرة السابقة .. و على الأقل كنت قادرة على التحكم به..
و بعد أقل من ساعة و صلنا بالسلامة الحمد لله ..
ياااه كان أصعب يوم مر علي في حياتي ...عندما نزلت إلى الأرض قاومت رغبتي في النزول لاحتضانها .. و رغبتي الشديدة في الحبو لأحس بها من تحتي تبثني أمانا ..
*****
-3-
الجوف - تبوك - المدينة
في طريقنا إلى المطار ... بدأ صديق أبي الذي يتولى توصيلنا إلى هناك الحديث مع أبي لقضاء الوقت إلى أن نصل إلى المطار ..
و بدأت ألاحظ إشارات أبي إليه -و التي حاول أن يخفيها عني- بأن يصمت، و صاحبه لا يلاحظ و مستمر في الكلام ليفضح السر الذي حاول والديَ إخفاؤه عني ... ليس هناك طائرة متجهة مباشرة إلى المدينة، سنضطر إلى ركوب طائرتين ...
غير صديق أبي الحديث إلى موضوع آخر .. بدأ يحكي لأبي عن زوجة صديقهما التي تعاني من رهاب الطائرات، و التي تسببت في أن يرفض زوجها فرصة عمل ممتازة في دبي لأنها لا تستطيع السفر بالطائرة، و في دبي لن يستطيعوا السفر عن طريق البر كما يفعلون هنا في السعودية ...
استمر أبي محاولاته غير المجدية لتغيير دفة الحوار، و صاحبه لا يلاحظ كل ذلك، و لكن تلك الحكاية عن زوجة صاحبهما لم تزد من خوفي كما اعتقد أبويَ، بل بالعكس لقد زادتني ثقة، فأنا بفضل الله لم أفعل مثل تلك الزوجة.. و لكنني واجهت مخاوفي و إن شاء الله سأحاول التغلب عليها ..
لم أفعل مثلها و أوقف حياتي بسبب بعض المخاوف، و لم أفعل مثل لاعب الكرة الذي حكى لي عنه أخي أحمد .. و الذي يعاني من رهاب الطائرات هو الآخر، و يستقل القطار للترحال، و الذي أعرب عن فرحه بعدم وصول فريق بلاده إلى كأس العالم في كوريا و اليابان لأنه لم يكن ينوي السفر مع فريقه لخوفه من ركوب الطائرة ..
أما في الطائرة الأخرى .. فلم أصدق ما حدث ... أحسست و كأنني أركب سيارة .. لم يتغلب علي الخوف كما حدث في المرات السابقة ..و استجاب الله لدعواتي .. و دعوات أهلي و أخواتي _كنت قد راسلتهن أثناء وجودي في الجوف و طلبت منهن الدعاء-
و كان تعليق أمي ... " المرة دي إيديكي دافية أوييي .."
و هو شيء لم يتكرر في أي رحلة أخرى إلى الآن ...
*****
جدة - القاهرة
ذهبت إلى المطار و كلي ثقة في أنني بفضل الله "إتغيرت" و أن تلك المرة مختلفة ..
- لو سمحت ... هي الطيارة دي مفيهاش تلفيزيون ليه زي إللي ركبناهم قبل كدة؟"
- لااا أصل دي طيارة قديمة ... مفيهاش الحاجات دي ..
- إيه ؟؟ قديمة، يعني حالتها كويسة و للا إيه ؟؟؟
- آه طبعا .. كويسة جدا و كمان ....
- واضح فعلا إن حالتها كويسة .. :-)))
- لوسمحت ... هي دي نفس الطائرة إللي كان فيها العطل و صلحتوها .. و للا طائرة جديدة؟؟
- لأ نفس الطائرة و صلحنا العطل ..
- فعلا؟؟ ..........
كان مكاني و أمي بالداخل بجانب النافذة .. و أنا طبعا لا أجلس بجانب النافذة .. و أفضل الجلوس بجانب الممر .. لا أدري لماذا و لكنني أحس بأمان أكثر، و أيضا لرغبتي في أن أذرع الطائرة جيئة و ذهابا "عشان أفك شوية"
المهم .. جاء صاحب المقعد المجاور للممر .. و كانت قدمه مكسورة فرفض أن أجلس مكانه لأنه يريد أن يمد قدمه المكسورة في الممر بجانبه ..
و بالتالي كان الحل أن أستبدل مقعدي بالمقعد أمامه مباشرة -بدلا من أن أجلس في المنتصف بينه و بين أمي-، و لم يمانع صاحبه .. و بالمرة لتستريح أمي مني قليلا ...
جلست بجانب ولد و أخته .. و الحمد لله لم أخف مثل المرات الأولى .. و بصراحة "اتكسفت أخاف قدام ناس معرفهمش" و كنت قد أحضرت بعض الأشياء معي لأسلي نفسي و أبتعد عن التركيز فيما أنا فيه .. و بدأت في حل لعبة سودوكو .. و كنت كل فترة أسأل الولد بجانبي " لوسمحت .. هو احنا لسة فوق البحر ؟؟ طيب ممكن تقولي لما نعدي ... شكرا " ثم أنتظر قليلا و أسأله مرة أخرى ..
و عندما نادت البنت بجانب النافذة أخاها لينظر معها من النافذة ليرى القاهرة .. تجرأت و نظرت معهم "يااه ده الموضوع طلع بسيط .. أمال أنا كنت بخاف ليه !!"
و ما إن رأيت القاهرة ... و الدخان المتصاعد منها كمصنع قديم متهالك ... و الكراكيب فوق الأسطح ... و العمارات المرصوصة في غير نظام ... و الإشارات المزدحمة المليئة بأضواء الفرامل الحمراء للسيارات المتوقفة ... حتى أحسست براحة غريبة ...
يااااااااااااااه HOME SWEET HOME
*****
-5-
القاهرة - جدة - القاهرة
الحمد لله استجاب لي الله و انعم علي بعدها بأقل من سنة بالسفر لأداء الحج ...
في تلك المرة، أخذت احتياطات مختلفة .. كل مصر تقريبا كانت منهمكة في الدعاء لي بالثبات و الطمأنينة ..
جددت نيتي .. سأتحمل ذلك الخوف في سبيل تأديتة فريضة الحج و زيارة بيت الله الحرام ...
قررت أنني سأصلي في الطائرة في المكان المخصص لذلك .. صلاة فوق السحاب .. احساس مختلف ..
و لكن يبدو أنها أصبحت فكرة مستهلكة .. فكل الناس كانوا يقفون في طوابير للصلاة .. فلم أستطع أن أصلي غير ركعتين فقط..
وكانت سارة معنا في تلك الرحلة .. و جلست هي بجانبي ... و صدمت من برودة يدي أثناء الصعود و الهبوط
ووصلنا بالسلامة و لله الحمد...
و الحمد لله .. لم يكن هناك سفر داخلي .. فأبي كان قد انتقل إلى جامعة الطائف .. و هي قريبة إلى مكة و جدة..
و طريق العودة أيضا كان يسيرا و لله الحمد ...
اللهم تقبل منا، و لا تحرمنا زيارة بيتك مرة أخرى ..
*****
ماذا تغير بداخلي ؟؟
تغيرت طريقتي في مخاطبة نفسي ...
في المرة الأولى :
- أنا خايفة ...
- ده إنت طلعتي جبانة أوي ...
- ....
- اعترفي إنك جبانة ... بس عاملة فيها ست المؤمنة ... و رايحة المسجد و جاية من المسجد .. و لما جاء الموقف إللي هتباني فيه.. طلعتي أي كلام ...
- آه صح أنا جبانة أوييييييييييي
- أنا خايفة .. إهئ إهئ إهئ
في المرة الأخيرة:
- أنا خايفة ...
- لأ يا ياسمينا إنت مش خايفة و لا حاجة .. ده إنت بتحبي الطيارة ...
- أيوة صح أنا بحب الطيارة ...
- فاكرة آخر مرة ركبت الطيارة كنت شاطرة إزاي .. خفتي شوية صغيريين بس .. و المرة دي مش هتخافي إن شاء الله
- هيييييييييه .. أنا مش خايفة أنا مش خايفة أنا مش خايفة ..
تغيرت فكرتي عن الألم النفسي .. لطالما ظننت أنه بسيط و سهل و يمكن التغلب عليه بسهوله .. و لكن اكتشفت أنه مؤلم فعلا و صعب .. و أنه لا مخرج منه إلا بيقين قوي و توفيق من الله سبحانه و تعالى ..
عرفت قيمة الدعاء بظهر الغيب و أحسست به فعلا ... أتذكر أنني في احدى المرات استوقفت بنت و أمها في المطار قبل أن أركب الطائرة و طلبت منهما أن تدعوان لي، و أحسست فعلا أن دعاءهما أحدث فرقا، و بالطبع دعاء أخواتي و أهلي .. جزاهم الله عني خيرا..
ذقت طعما مختلفا للدعاء .. الدعاء و أنا في قمة خوفي و أنا أعلم يقينا أنه ليس لي سوى الله .. و أنه وحده قادر أن يحفظني و يثبتني و يربط على قلبي، دعوت وقتها بأشياء كثيرة لي و لمن أحب .. اللهم استجب
علمت أن الخوف أو الألم النفسي عامة مرهق .. مرهق فعلا، كنت أحس بعد نزولي من الطائرة أنني قد انتهيت توا من تسلق جبل أو من ركض لمدة طويل .. احساس إني فعلا "مدغدغة" ..
كانت تجربة صعبة .. و لكن و لله الحمد خرجت منها بأشياء كثيرة .. و أحاسيس جميلة .. أجملها احساس أنني قد تغلبت على شيء من مخاوفي بفضل الله ..
اللهم تقبل منا، و لا تحرمنا زيارة بيتك مرة أخرى .. اللهم آمين
* بعد عودتنا إلى مصر بشهور .. عرفت من أمي بالصدفة أن الدواء الذي أخذته ليس مهدئا و إنا هو اسبرين عادي، و أخبرتني أنها طلبت من المضيف تقديمه لي كأنه مهدئ عندما أخبروها أنه ليس لديهم مهدئ في الطائرة .. و فعلا أخذته على أنه مهدئ .. و فعلا .. هديت :-)))