في المطار .. ذلك المكان الكبير، المزدحم بالمشاعر والبشر..
في المطار .. حيث السعادة والحزن و الأمل والقلق والترقب والشوق والشجن ..
عندما أذهب إلى هذا المكان لتوديع مسافر أو استقبال عائد .. يستغرقني التأمل في وجوه البشر وانفعالاتهم ومشاعرهم ..
لا أدري لم تؤثر في مشاعر البشر إلى هذا الحد ..
وإذا حالفني الحظ ووجدت لنفسي مقعدا .. أبدأ في ممارسة تلك الهواية في تأملها ..
*******
في صالة السفر ..
صالة تضم بين جدرانها كم كبير من الحزن والألم .. حزن المودعين على المسافرين .. وحزن المسافرين لفراقهم ..
حزن يخالطه أمل في لقاء، قريب كان أو بعيد ..
هنا أرى وجوها حزينة، ووجوها خائفة ..
وجوها أضناها طول البحث عن الرزق .. ووجوها مستبشرة بحياة جديدة تظن أنها تنتظرها في مكان آخر ..
أرى أعينا دامعة .. وأيد متعانقة ..
أرى خطى مترددة .. وأخرى سريعة واثقة ..
أرى هذا الطفل المتشبث بأبيه .. هو يأبى أن يتركه يسافر .. لربما لم يع بعد ماهية السفر .. ولكنه أدرك من بكاء من حوله أنه شيئ سيء .. هو يخشى أن يذهب أبوه إلى هذا المكان الذي يجعلهم يبكون ..
أرى هذين العجوزين .. وقد أضناهما ألم الفراق .. فجلسا متجاورين في وهن وهما يحتضنان أحفادهما انتظارا لإنهاء إجراءات مرورهم مع أبويهم من الجوازات .. الجدة تبكي وتقبلهم .. والجد يحاول إخفاء مشاعره خلف ملامح جادة مفتعلة ..
أرى هذين الزوجين الشابين .. ينهيان إجراءاتهما وهما يقدمان خطوة ويؤخران أخرى .. يستبشران بفرص حياة أفضل .. ويخافان ألم الغربة والفراق ..
وأرى هذا السائر بمفرده .. لربما كان يتحسر الآن على أنه ليس لديه من يودعه ويبكي فراقه مثل المسافرين حوله .. أو ربما هو يحمد الله أن وحدته أعفته من لحظات الوداع المؤلمة ..
وأحيانا .. إذا كنت هناك في موسم ديني ما .. أرى الكثير من الرجال والنساء في ملابس إحرامهم ..
تؤثر في جدا تلك الفرحة التلقائية التي تظهر عليهم ..
أرى في وجوههم سعادة طاغية .. وأرى فرحة من حولهم ..
وأراهم وهم يعبرون عن تلك الفرحة ببساطة وعفوية .. بالزغاريد .. والتهاني المتبادلة بأصوات مرتفعة .. وبإلتقاط الصور ..
كثير منهم يظهر عليهم ملامح الشقاء والتعب .. وأحس من وجوههم أن لديهم من الهموم والمشاغل الكثير .. ولكن فرحتهم بتلك الرحلة أتت على تلك الهموم بداخلهم .. فحل محلها فرحة وشوق لزيارة بيت من سيتحررون عنده من أحمالهم ..
وبعد إنهاء الإجراءات .. تبدأ تلك اللحظة التي يتوقف عندها الزمان .. لحظة الفراق .. الكل يتكلمون في ذات اللحظة تسمع تواصي بالدعاء ونصائح كثيرة تقال على عجل .. الدموع تختلط والأجساد تتداخل.. فلا تستطيع تمييز من يسلم على من ومن يعانق من ..
*******
في صالة الوصول ..
صالة تضم بين جدرانها كم كبير من السعادة .. فرحة المنتظرين بالعائدين .. وفرحة العائدين بعودتهم ..
فرحة لا يشوبها إلا خوف من فراق، قريب كان أو بعيد ..
هنا أرى وجوها كتلك التي رأيتها في صالة السفر ..
نفس الوجوه التي رأيتها هناك خائفة وحزينة .. أراها هنا، ولكن بتعبيرات أخرى ..
أرى وجوها سعيدة .. ووجوها مستبشرة ..
وجوها أضنتها طول الغربة .. ووجوها أضناها طول الفراق ..
أرى ذات الأعين التي كانت تتابع المسافر بحزن وحسرة أثناء مروره إلى ماوراء ذلك السور ..
أراها مبتسمة مترقبة .. تبحث عن العائد في الوجوه المارة إلى أمام السور ..
أرى هذا الطفل وهو يتقافز فرحا بعد أن رأى ابيه في الناحية الأخرى من السور .. وهو لا يطيق صبرا حتى يمر إليه أبوه .. فيبدأ في محاولات فاشلة للتسلل إلى الناحية الأخرى ..
أرى هذين العجوزين وقد زادتهما الفرحة قوة وصحة .. فوقفا يلوحان لذويهما على الناحية الأخرى ..
أرى هذين الزوجين الشابين وقد ظهرت عليهما السعادة وهما يسران بخطى متعجلة واثقة ناحية ذويهم ..
وأرى هذا العائد يسير بخطى متباطئة ..وهو يرى العائدين من حوله يستقبلهم ذووهم في شوق .. فيفتش بعينيه في الوجوه عن أحد ينتظره .. فلا يجد أحدا ..
وبعد المرور من ذلك السور تبدأ تلك اللحظة التي يتوقف عندها الزمان .. لحظة اللقاء .. الكل يتكلمون في ذات اللحظة تسمع التهاني بالوصول وأسئلة وأخبار كثيرة تقال على عجل .. الأجساد تتداخل .. فلا تستطيع تمييز من يسلم على من ومن يعانق من ..
*******
أرى رحمة الله في هذه الإبتسامات .. وتلك الدموع ..
هو الذي خلق الإنسان في كبد .. ويسر له الرحيل والبحث عن الرزق .. وهو من ربط على قلبه وقلب ذويه ليحتملوا الفراق ..
وهو الذي يسر للغائب أن يعود وقدَر أن يجمع الشمل مرة أخرى .. وهو من أدخل السرور على تلك القلوب باللقاء ..
وهو الذي شرح قلوب هؤلاء ليحبوا أن يكونوا من زوار بيته .. وهو من أدخل السرور على قلوبهم وكتب لهم أن يكونوا فعلا منهم ..
هو الذي ألف بين تلك القلوب .. فجعل فراقهم صعبا ومؤلما .. وجعل لقائهم عذبا ومفرحا ..
*******
أترك مقعدي في هدوء وأعود إلى منزلي بقلب آخر غير الذي جئت به وبرؤية مختلفة للحياة ..
أعود يصاحبني ذلك الشعور بالشجن الذي يراودني كلما ذهبت إلى هناك ..
في المطار .. حيث السعادة والحزن و الأمل والقلق والترقب والشوق والشجن ..
عندما أذهب إلى هذا المكان لتوديع مسافر أو استقبال عائد .. يستغرقني التأمل في وجوه البشر وانفعالاتهم ومشاعرهم ..
لا أدري لم تؤثر في مشاعر البشر إلى هذا الحد ..
وإذا حالفني الحظ ووجدت لنفسي مقعدا .. أبدأ في ممارسة تلك الهواية في تأملها ..
*******
في صالة السفر ..
صالة تضم بين جدرانها كم كبير من الحزن والألم .. حزن المودعين على المسافرين .. وحزن المسافرين لفراقهم ..
حزن يخالطه أمل في لقاء، قريب كان أو بعيد ..
هنا أرى وجوها حزينة، ووجوها خائفة ..
وجوها أضناها طول البحث عن الرزق .. ووجوها مستبشرة بحياة جديدة تظن أنها تنتظرها في مكان آخر ..
أرى أعينا دامعة .. وأيد متعانقة ..
أرى خطى مترددة .. وأخرى سريعة واثقة ..
أرى هذا الطفل المتشبث بأبيه .. هو يأبى أن يتركه يسافر .. لربما لم يع بعد ماهية السفر .. ولكنه أدرك من بكاء من حوله أنه شيئ سيء .. هو يخشى أن يذهب أبوه إلى هذا المكان الذي يجعلهم يبكون ..
أرى هذين العجوزين .. وقد أضناهما ألم الفراق .. فجلسا متجاورين في وهن وهما يحتضنان أحفادهما انتظارا لإنهاء إجراءات مرورهم مع أبويهم من الجوازات .. الجدة تبكي وتقبلهم .. والجد يحاول إخفاء مشاعره خلف ملامح جادة مفتعلة ..
أرى هذين الزوجين الشابين .. ينهيان إجراءاتهما وهما يقدمان خطوة ويؤخران أخرى .. يستبشران بفرص حياة أفضل .. ويخافان ألم الغربة والفراق ..
وأرى هذا السائر بمفرده .. لربما كان يتحسر الآن على أنه ليس لديه من يودعه ويبكي فراقه مثل المسافرين حوله .. أو ربما هو يحمد الله أن وحدته أعفته من لحظات الوداع المؤلمة ..
وأحيانا .. إذا كنت هناك في موسم ديني ما .. أرى الكثير من الرجال والنساء في ملابس إحرامهم ..
تؤثر في جدا تلك الفرحة التلقائية التي تظهر عليهم ..
أرى في وجوههم سعادة طاغية .. وأرى فرحة من حولهم ..
وأراهم وهم يعبرون عن تلك الفرحة ببساطة وعفوية .. بالزغاريد .. والتهاني المتبادلة بأصوات مرتفعة .. وبإلتقاط الصور ..
كثير منهم يظهر عليهم ملامح الشقاء والتعب .. وأحس من وجوههم أن لديهم من الهموم والمشاغل الكثير .. ولكن فرحتهم بتلك الرحلة أتت على تلك الهموم بداخلهم .. فحل محلها فرحة وشوق لزيارة بيت من سيتحررون عنده من أحمالهم ..
وبعد إنهاء الإجراءات .. تبدأ تلك اللحظة التي يتوقف عندها الزمان .. لحظة الفراق .. الكل يتكلمون في ذات اللحظة تسمع تواصي بالدعاء ونصائح كثيرة تقال على عجل .. الدموع تختلط والأجساد تتداخل.. فلا تستطيع تمييز من يسلم على من ومن يعانق من ..
*******
في صالة الوصول ..
صالة تضم بين جدرانها كم كبير من السعادة .. فرحة المنتظرين بالعائدين .. وفرحة العائدين بعودتهم ..
فرحة لا يشوبها إلا خوف من فراق، قريب كان أو بعيد ..
هنا أرى وجوها كتلك التي رأيتها في صالة السفر ..
نفس الوجوه التي رأيتها هناك خائفة وحزينة .. أراها هنا، ولكن بتعبيرات أخرى ..
أرى وجوها سعيدة .. ووجوها مستبشرة ..
وجوها أضنتها طول الغربة .. ووجوها أضناها طول الفراق ..
أرى ذات الأعين التي كانت تتابع المسافر بحزن وحسرة أثناء مروره إلى ماوراء ذلك السور ..
أراها مبتسمة مترقبة .. تبحث عن العائد في الوجوه المارة إلى أمام السور ..
أرى هذا الطفل وهو يتقافز فرحا بعد أن رأى ابيه في الناحية الأخرى من السور .. وهو لا يطيق صبرا حتى يمر إليه أبوه .. فيبدأ في محاولات فاشلة للتسلل إلى الناحية الأخرى ..
أرى هذين العجوزين وقد زادتهما الفرحة قوة وصحة .. فوقفا يلوحان لذويهما على الناحية الأخرى ..
أرى هذين الزوجين الشابين وقد ظهرت عليهما السعادة وهما يسران بخطى متعجلة واثقة ناحية ذويهم ..
وأرى هذا العائد يسير بخطى متباطئة ..وهو يرى العائدين من حوله يستقبلهم ذووهم في شوق .. فيفتش بعينيه في الوجوه عن أحد ينتظره .. فلا يجد أحدا ..
وبعد المرور من ذلك السور تبدأ تلك اللحظة التي يتوقف عندها الزمان .. لحظة اللقاء .. الكل يتكلمون في ذات اللحظة تسمع التهاني بالوصول وأسئلة وأخبار كثيرة تقال على عجل .. الأجساد تتداخل .. فلا تستطيع تمييز من يسلم على من ومن يعانق من ..
*******
أرى رحمة الله في هذه الإبتسامات .. وتلك الدموع ..
هو الذي خلق الإنسان في كبد .. ويسر له الرحيل والبحث عن الرزق .. وهو من ربط على قلبه وقلب ذويه ليحتملوا الفراق ..
وهو الذي يسر للغائب أن يعود وقدَر أن يجمع الشمل مرة أخرى .. وهو من أدخل السرور على تلك القلوب باللقاء ..
وهو الذي شرح قلوب هؤلاء ليحبوا أن يكونوا من زوار بيته .. وهو من أدخل السرور على قلوبهم وكتب لهم أن يكونوا فعلا منهم ..
هو الذي ألف بين تلك القلوب .. فجعل فراقهم صعبا ومؤلما .. وجعل لقائهم عذبا ومفرحا ..
*******
أترك مقعدي في هدوء وأعود إلى منزلي بقلب آخر غير الذي جئت به وبرؤية مختلفة للحياة ..
أعود يصاحبني ذلك الشعور بالشجن الذي يراودني كلما ذهبت إلى هناك ..